خسائر إسرائيل في الحاضر والمستقبل

الخسارة تعني حدوث ضرر وفقدان مكاسب، أو تراجع وفقد وضياع وانخفاض قيمة ونقص، وهي عكس الربح المعنوي والمادي والسياسي والعسكري وستتزايد خسائر إسرائيل الحالية وتتنامى على كل الصُّعُد

نبدأ بتراجع قيمتها ونظرة حلفائها وأصدقائها إليها بعد انهيار صورتها كقوة عسكرية وخبرات هائلة متقدمة في التكنولوجيا، فالجدار الذي استمر بناؤه ثلاث سنوات بتكلفة مليار دولار تداعى، فكيف سيثقون بأي تحصينات جديدة سيقوم بها الصهاينة؟

كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، قالت بغطرسة وعنجهية مقيتة وعنصرية فجة عام 2006 في الحرب على لبنان: بدأ الشرق الأوسط الجديد، وتعرضت إسرائيل لهزيمة تلاحقها آثارها إلى اليوم

وأخيرا كررت وزيرة خارجية فرنسا الغطرسة الفجة نفسها، وكذلك فعل بايدن وكل من هرعوا لنجدة الصهاينة في مشهد غير مسبوق ، فكيف سيثق هؤلاء بمن احتاج إلى نجدتهم يوما، وهو الموكل إليه تنفيذ بعض أجنداتهم في المنطقة؟

حدث تغيير استراتيجي في المنطقة لصالح فلسطين ولو بعد حين، فأمريكا وأوروبا ترغبان أن تدير إسرائيل المنطقة وفقا لمصالحهما، وليس أن تكون عبئا عليهما وتضر بهما

احتاجت إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973 إلى أعوام لتستعيد قوتها وترفع معنوياتها وتسترد صورتها أمام الغرب، وستحتاج إلى سنوات أكثر وستضاعف المقاومة من استعداداتها

من الخسائر الاقتصادية تخفيض الائتمان للصهاينة والتكلفة الباهظة للحرب، إذ قال وزير المالية الإسرائيلي : الحرب على غزة تكلفنا يوميا 246 مليون دولار ، وتراجع الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي الإسرائيلي

وستتراجع الاستثمارات الأجنبية والسياحة، وتم إلغاء الرحلات، وتناقص المهاجرون إليها وتزايد المهاجرون منها، إضافة إلى هروب العمالة الماهرة منها لوجود مستقبل أفضل لها بالخارج

من الخسائر السياسية تأجيل التطبيع مع دول عربية كانت في طريقها إلى التطبيع، وأثبتت المظاهرات الغاضبة في دول قامت بالتطبيع أنه حبر على ورق ولم يصل إلى عقول وقلوب الشعوب التي تتوارث كراهية الصهاينة

التعاطف الكبير مع فلسطين أهم الخسائر، وانهيار أكذوبة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، خاصة مع أجيال جديدة لم تر مذابح الصهاينة من قبل، وشاهدتها في غزة، وعودة قضية فلسطين بعد أن ظنوا انتهاءها

قتلت إسرائيل الآلاف، ودمرت منازل ومنشآت، ولم تقترب من تطويع الإرادة والقبول بحلول استسلامية، وأهدافها لم ولن تتحقق ، فحولت معركة طوفان الأقصى المقاومة من مدافع إلى مهاجم، وحدث العكس للعدو

تراجع التأييد الشعبي في الغرب للصهاينة، وتزايدت الانتقادات لوسائل الإعلام في بلادهم لانحيازهم الصارخ والفج للرواية الصهيونية، وتدني ثقتهم بها خاصة بين الشباب فهم الأقل دعما للصهاينة، ورأينا المظاهرات المناهضة لهم في أوروبا وأمريكا

من الخسائر السياسية، رحيل ربع مليون إسرائيلي من منازلهم بسبب طوفان الأقصى ، وإخلاء 64 مدينة صهيونية، وشعور المستوطنين بعدم الأمان وبعدم الثقة في قدرة جيشهم وشرطتهم على حمايتهم من الخطف أو من الصواريخ، والبقاء في البيوت لأيام وهم لا يعرفون متى وكيف ستنتهي الحرب

لقد جاؤوا إلى فلسطين المحتلة واستوطنوها بحثا عن حياة أفضل وليس ليتحملوا ظروفا قاسية، وقالوا: لا تستحق هذه الأرض التضحية من أجلها ، ولأول مرة رأينا مخيمات للمستوطنين الهاربين من غلاف غزة وحدود مع لبنان بعد امتلاء الفنادق، وإخلاء مستوطنات على الحدود مع لبنان

نشرت صحيفة (إسرائيل اليوم) عن مستوطنين: لن نعود إلى المستوطنة وقوات الرضوان عند حدودنا ، ونشرت صحف عبرية: مشاهد مستفزة على الجانب اللبناني على الرغم من الجبهة المشتعلة يقطف اللبنانيون الزيتون أمام أعين قواتنا وأعين طائرات الاستطلاع وشعبنا أخلى منازله وحقوله وترك أعماله باتجاه وسط إسرائيل يرجو العثور على كسرة الخبز وزجاجة ماء

نتوقف عند تداعيات الحرب على نفسية القادة والجنود، إذ قال بعضهم إن إسرائيل غير مستعدة لحرب طويلة ولا مع جبهات عدة،

وتراجعت الرغبة في الانضمام إلى الجيش أو الشرطة خاصة مع انتشار معلومة عن قانون عقيدة هانيبال بأن قتل المجند أفضل من أسره، والتراخي في تبادل الأسرى الذي ترك أثرا نفسيا مؤلما عند الصهاينة ولن يمحوه شيء

وستبقى صور إذلال الجنود والفلسطينيون يأسرونهم ، وتزايدت أعداد القتلى والمعاقين في جيش الصهاينة الذي ينضم إليه المهمشون وليس أولاد الأغنياء، وتعرّض نتنياهو للإهانة من الجنود واضطر إلى إلغاء خطابه معهم، وقال جنود لنتنياهو: أين ابنك؟ لماذا لا يخدم مثلنا في الجيش؟

من الخسائر العسكرية تدمير العقيدة القتالية للعدو التي كانت مبنية على التفوق وأنها لا تُقهر، وتراجع قدرته على الردع كثيرا، وانهيار هيبته ، والجيل الجديد ليس كالذي احتل فلسطين

فالجديد مُرفه غير راغب في الحرب ولا يستعد لها، ويتهرب جنود الاحتياط منها، ويفتقد المعنويات العالية والقدرة على القتال في الجيش وفي الحاضنة الشعبية

أما التفوق المادي للصهاينة وبالمعدات العسكرية، فيقابله تفوق معنوي وصمود واستعدادات، فغزة وحدها صمدت أمام الصهاينة وأعوانها بعد الدعم العسكري من أمريكا وغيرها

قال أب بعد استشهاد أطفاله: فاكرين إحنا بنخاف، موش بنخاف، إحنا في غزة

إسرائيل كانت تتعمد الحرب داخلها في طوفان الأقصى، وفوجئت بالحرب تُفرض عليها في داخلها، فكانت تقوم بحروب خاطفة، تقتل وتُهجّر دون معاناة داخلها ، والأمر تغيَّر وألحق خسارة في الأمن الصهيوني وسيتزايد

قالت غولدا مائير: كلما أرى طفلا فلسطينيا أشعر بالانزعاج ، والمقاومون الحاليون كانوا أطفالا شاهدوا الحروب السابقة وعاشوها بمعاناتها ولم يخافوا وتحدوا الصهاينة

فلسطين ألم بلا انكسار، بل صمود وصبر وتحمُّل، والحزن شعور إنساني وطبيعي ولكن بلا خضوع

تنامى هاجس قرب النهاية الذي يفكر فيه الصهاينة منذ حرب 2006 مع لبنان، وكما قال الإسرائيلي شلومو رايخ: إن إسرائيل تركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة

فالانتصارات العسكرية لم تحقق شيئا، فالمقاومة مستمرة، مما أدي إلى ما أطلق عليه المؤرخ الصهيوني يعقوب تالمون عقم الانتصار

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من الانباء اونلاين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading